|

معنى وقوف الله إلى جوارك (2)

وقوف الله بجوارك -2- محمد جاد الزغبي

استكمالا لمعرفة حقيقة وقوف الله إلى جوار المرء ومدى الفوارق بين المؤمنين في ذلك ..

لا شك أن الثقة بوقوف الله إلى جوار المسلم هو من لوازم الإيمان، والطريق الذهبي لمراتب الإحسان، لكن بطبيعة الحال تتفاوت القدرات، وفى موضوع الابتلاء  الذي هو قدر مقدور للإختبار على كل مسلم يختلف الموقف الرباني بحسب درجة استشعار المؤمن بحقيقة معية الله له وإيمانه التام بقضائه وقدره .. وهى ثلاث مستويات والفارق شاسع بينهم.

الحالة الأولى

يستقبل المسلم الابتلاء  ويتحمله مع شعوره بالألم والضيق منه ولكن إيمانه يدفعه إلى قبول الابتلاء  على كراهته طمعا في أجر الله، وهنا يكون جزاء الله له أن يكتب له أجره وينزل عليه اللطف في المصيبة ويرزقه بنعمة كبري وهى نعمة الشعور بالراحة عند سماع كلام الله وأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام وأحاديث الصالحين .. وهذا حال الأغلب من المسلمين في الحد الأدنى من التقوى.

 الحالة الثانية

يستقبل المسلم الابتلاء  بالرضا, فرغم ألم الابتلاء  نفسه إلا أنه يقاومه ويهزمه بشدة إيمانه لكن مع شعوره بأن ما فيه هو ابتلاء بلا شك ولكن يتوجب تحمله بالرضا، وهذا يختلف عن الحالة الأولى في كونه رضي بما قسم بالله له فهنا يكون جزاؤه أوفر وأعمق حيث يبدل الله حاله فيرزقه نشئ آخر غير الذي حُرم منه أو يعوضه بأمر آخر لم يتوقعه، كمقابل مستحق على الرضا بقضائه .. كما يحدث في نصرة المظلوم.

الحالة الثالثة

فهذه هي الحالة المثلي وهى إن بلغها المسلم ارتفعت به للسماء وهو على الأرض, وهى حالة اليقين بأن قضاء الله كله خير، وهذا المسلم لم يقتصر فقط على قبول الابتلاء  بل إنه لا يراه ابتلاء أصلا، وتجده يفسر الابتلاء  بألف وجه واحتمال .. المهم أنه يصل في تحليله أن كل ما يقدره الله له لا شك أنه الأصلح والأوفق وتبلغ درجة يقينه بذلك أنه لا يقبل أصلا بوصف قضاء الله على أنه بلوى أو مصيبة بل هو خير حتما وإن لم يدرك فحواه، وثقته هنا نابعة من كونه يستشعر فعليا معية الله معه ويستشعر قوته عز وجل فيصبح كالطفل الواثق ثقة مطلقة بأبيه فيقتنع باختياره له ..

ولا شك أن هذه المرتبة عالية جدا وجزاؤها عند الله جزاء متفرد للغاية, إذ يتدخل الله بقدرته فيغير القواعد نفسها لأجله، فيرفع الابتلاء  ويعكسه بحيث يصبح أبلغ العطاء له، ومثال ذلك ما حدث مع إبراهيم عليه السلام عندما هم المشركون بإلقائه في النار وهنا استعد جبريل ليخطفه منهم واستعد ملك المطر ليطفئ النار واستعد ملك الريح ليبعثر اللهب، ولكن الأمر الإلهي لم يأت لأي ملاك منهم، لأن إبراهيم عليه السلام وهو ملقي من المنجنيق سابحا في الهواء نحو النار تعرض له جبريل عليه السلام وقال له : ألك حاجة يا إبراهيم؟!

فنظر إليه إبراهيم قائلا: أما إليك فلا ..

قمة الوحدانية والثقة في قضاء الله بعد أن استوحش إبراهيم أن يطلب من جبريل نفسه إنقاذه مع يقينه بقدر الله, وكان من الطبيعي أن يكافئه الله بأعز مكافأة وهى أن يُــغَــير له قواعد الطبيعة فيتدخل رب العالمين نفسه دون تكليف ملائكته بشيء تشريفا لإبراهيم الذي لم يطلب المعونة من غيره فيأمر النار أن تكون بردا وسلاما على إبراهيم الذي وَفّي كما وصفه الله في القرآن في قوله تعالى:

( وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ ) {النجم:36}.

سيدنا إبراهيم بحث عن الوحدانية طيلة عمره وتعهد لربه إن هداه إليه أن يعبده وحده، ووفي وعده فوفي الله له بأن عكس الابتلاء،  فجعله معجزة وكرامة ربانية غير مسبوقة له جزاء على قوة استشعاره بمعية الله.

 

Similar Posts

اترك رد